
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحليلاً جديداً يتناول مفهوم تغيُّر المناخ، حيث استعرض المسببات والتداعيات التي تترتب عليه في مختلف المناطق، كما تناول تأثيره على الأفراد والشركات، مع تقديم أبرز المقترحات لمواجهته.
يشير التحليل إلى أن تغيُّر المناخ يُعتبر من أخطر التحديات البيئية التي تواجه العالم اليوم، فهو يؤثر بشكل مباشر على حياة الأفراد من خلال مظاهر هذا التغيُّر مثل ارتفاع درجات الحرارة، مما يهدد الصحة العامة خاصة لدى الفئات الأكثر ضعفًا كالأطفال وكبار السن، بالإضافة إلى تراجع الموارد الطبيعية مثل المياه والغذاء نتيجة لاختلال أنماط هطول الأمطار، مما يؤثر سلبًا على الإنتاج الزراعي ويهدد الأمن الغذائي، وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة الأعباء المعيشية. علاوةً على ذلك، تتسبب الكوارث الطبيعية المتزايدة كالفloodات والجفاف في فقدان المنازل وتشريد الملايين، مما يؤدي إلى أزمات إنسانية واجتماعية. كما تتأثر سبل العيش حيث يواجه العاملون في الزراعة والصيد والسياحة تحديات تهدد استقرارهم الاقتصادي.
يوضح التحليل أن تغيُّر المناخ يشير إلى التغييرات طويلة الأمد في درجات الحرارة وأنماط الطقس التي قد تحدث بشكل طبيعي بسبب التقلبات في النشاط الشمسي أو الانفجارات البركانية الكبرى. ومع ذلك، منذ القرن التاسع عشر أصبحت الأنشطة البشرية هي العامل الرئيسي وراء تغيُّر المناخ؛ إذ أكد علماء المناخ أنها المسؤولة بالكامل عن الاحترار العالمي خلال القرنين الماضيين. فهذه الأنشطة تؤدي إلى انبعاث الغازات الدفيئة التي تُسهم في رفع درجة حرارة الأرض بمعدل أسرع من أي وقت مضى خلال الألفي عام الأخيرة على الأقل.
كما أضاف التحليل أن متوسط درجة حرارة سطح الأرض أصبح الآن حوالي 1.1 درجة مئوية أكثر دفئًا مقارنة بما كان عليه في أواخر القرن التاسع عشر قبل الثورة الصناعية. ويعتبر العقد الماضي (2011-2020) الأكثر دفئًا على الإطلاق ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز. وينتج عن احتراق هذه المصادر انبعاثات الغازات الدفيئة التي تعمل كغطاء حول الأرض مما يؤدي إلى احتباس حرارة الشمس وارتفاع درجات الحرارة العالمية.
يشير التحليل أيضًا إلى أن ثاني أكسيد الكربون والميثان هما الغازان الرئيسيان المسؤولان عن تغيُّر المناخ؛ حيث تنتج هذه الغازات من استخدام البنزين في وسائل النقل أو حرق الفحم لتدفئة المباني. كما تسهم إزالة الغابات في إطلاق كميات إضافية من ثاني أكسيد الكربون وتعتبر الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي من بين القطاعات الرئيسية المسببة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وعند وصول الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية ستصبح موجات الحر أكثر شدة وستمتد الفصول الدافئة لفترات أطول بينما ستتقلص الفصول الباردة، أما إذا ارتفعت درجة الحرارة العالمية إلى 2 درجة مئوية فستصل موجات الحر المتطرفة بشكل متكرر لمستويات حرجة تشكل تهديدًا مباشرًا للزراعة والصحة.
يوضح التحليل أن تأثيرات تغيُّر المناخ لا تقتصر فقط على ارتفاع درجات الحرارة بل تمتد لتشمل تغييرات واسعة النطاق في مختلف الأنظمة البيئية والمناطق الجغرافية والتي ستزداد حدتها مع استمرار الاحترار ومن بين هذه التأثيرات:
- -تغيُر أنماط هطول الأمطار: حيث يُتوقع زيادة نسبة الهطول في المناطق الواقعة عند خطوط العرض العليا بينما ستنخفض بشكل ملحوظ في أجزاء واسعة من المناطق شبه الاستوائية. كما ستتغير أنماط الأمطار الموسمية وفقًا لكل منطقة مع حدوث فيضانات متكررة بالتزامن مع موجات جفاف أكثر حدة بعدد من المناطق.
- -ارتفاع مستوى سطح البحر: سيستمر مستوى سطح البحر بالارتفاع طوال القرن الحادي والعشرين مما سيؤدي لتفاقم الفيضانات الساحلية بالمناطق المنخفضة وزيادة معدلات تآكل السواحل ومن المتوقع أن تتحول الأحداث المتطرفة لارتفاع مستوى سطح البحر والتي كانت تحدث مرة كل 100 عام لظواهر سنوية بحلول نهاية القرن.
- -ذوبان الجليد وفقدان الغطاء الثلجي الموسمي: سيؤدي الاحترار المستمر لتسارع ذوبان التربة الصقيعية واستمرار فقدان الجليد البحري بالقطب الشمالي خلال فصل الصيف بجانب تراجع الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية.
- -تغيُّرات المحيطات: حيث يشهد المحيط ارتفاعًا بدرجة حرارة مياهه وزيادة بموجات الحرارة البحرية وتحمضًا متزايدًا وانخفاض مستويات الأكسجين وهي تغييرات مرتبطة بالنشاط البشري ومن المتوقع أن تؤثر هذه التحولات على النظم البيئية البحرية والمجتمعات المعتمدة عليها وستستمر حتى نهاية هذا القرن.
- -تأثيرات على المدن: حيث ستتفاقم بعض جوانب تغيُر المناخ بالمناطق الحضرية خاصة ارتفاع درجات الحرارة نظرًا لأن المدن عادة ما تكون أكثر دفئًا من المناطق المحيطة بها بالإضافة لزيادة مخاطر الفيضانات الناتجة عن الأمطار الغزيرة وارتفاع مستوى سطح البحر بالمناطق الساحلية.
علاوةً على ذلك تُسهم الظواهر المناخية المتطرفة مثل الأعاصير وحرائق الغابات بتدمير المنازل والبنية التحتية مما يجبر الكثيرين على النزوح من مناطقهم كما يهدد ارتفاع مستوى البحر المدن الساحلية مما يجعل السكان أكثر عرضة لفقدان مساكنهم ومصادر رزقهم ولا تقتصر التأثيرات على الصحة والاقتصاد فحسب بل تمتد للجوانب النفسية والاجتماعية حيث يزيد القلق بشأن المستقبل مما يتسبب بزيادة مستويات التوتر والاكتئاب بين الأفراد.
استعرض التحليل تأثير تغير المناخ على الأفراد عبر تسليطه الضوء على عدة جوانب رئيسية وهي:
أولاً: تأثيرات تغيُر المناخ على الصحة
تصنف منظمة الصحة العالمية تغيُر المناخ بأنه أكبر تهديد صحي يواجه البشرية إذ تُقدر أنه سيتسبب بنحو 250,000 وفاة إضافية سنويًّا بين عامي 2030 و2050 وستكون معظم هذه الوفيات ناتجة عن سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري بحيث تعتبر الحرارة أخطر أنواع الطقس القاسي إذ تُسهم درجات الحرارة المرتفعة بزيادة وفيات العمال الذين يعملون بالهواء الطلق والسياح والحجاج الدينيين والأشخاص المشردين لكن تأثير الحرارة لا يقتصر فقط عليهم بل يؤثر أيضًا على الصحة الجسدية والعقلية بطرق مختلفة:
- -تسببت فصول الشتاء الأقصر والأكثر دفئًا بانتشار أكبر للأمراض المنقولة عبر الحشرات مثل داء لايم وزيكا والملاريا وحمى الضنك وفيروس غرب النيل وشيكونغونيا.
- -تؤدي موجات الحر خاصة عند اقترانها بتلوث الهواء الناتج عن حركة المرور لارتفاع مستويات الأوزون وهو ما يسهم بتفاقم العديد من المشكلات الصحية مثل الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن.
- -زيادة تركيزات حبوب اللقاح وإطالة مواسم الحساسية وفقاً لمؤسسة الربو والحساسية الأمريكية فإن ارتفاع درجات الحرارة بالولايات المتحدة أدى لتمديد موسم حبوب اللقاح بين 11 و27 يومًا خلال الفترة ما بين 1995 و2011.
كما أضاف التحليل بأن تغيُّر المناخ يزيد احتمال حدوث جائحة جديدة؛ إذ إن ارتفاع درجات الحرارة سيجبر الحيوانات البرية لتغيير موائلها (بيئاتها)، وفقاً لتقرير نشرته المجلة العلمية Nature فقد يؤدي ذلك لدفع هذه الحيوانات للعيش بالقرب من المناطق المأهولة بالسكان مما يزيد فرص انتقال الفيروسات وحدوث جائحة جديدة. ويشير التقرير إلى أن “تغيُّر النطاق الجغرافي” سيؤدي لتفاعل الثدييات مع بعضها لأول مرة وهو ما قد يتسبب بتبادل آلاف الفيروسات ويؤكد العلماء أنه حتى لو تم الحد من الاحتباس الحراري لأقل من درجتين مئويتين هذا القرن فإن ذلك “لن يقلل انتقال الفيروسات مستقبلاً”.
ثانيًا: التأثير الاقتصادي لتغيُّر المناخ
على الأفراد والشركات أشار التحليل إلى أن موجات الحرارة المرتفعة والجفاف الطويل الأمد والفيضانات الشديدة تُساهم بارتفاع تكاليف المعيشة وجعل الناس أكثر عرضة للمخاطر:
- -التأثير على الأمن الغذائي والأسعار: تؤثر الأحوال الجوية القاسية سلباً على إنتاج العديد من المحاصيل الأساسية مثل الأرز والقمح والذرة والقهوة والكاكاو مما يؤدي لارتفاع الأسعار وانخفاض الجودة.
- -تراجع استقرار شبكة الكهرباء وارتفاع التكاليف: تصبح شبكة الكهرباء أكثر عرضة للاضطرابات نتيجة الضغط الناتج عن زيادة الاعتماد عليها وخاصة أجهزة التكييف وسط الظروف الجوية القاسية كما تواجه مزودو الخدمات أضراراً متزايدة بسبب الظواهر الجوية المتطرفة كالحرائق والعواصف العنيفة وفي النهاية تنعكس هذه التحديات علي المستهلكين عبر زيادة تكاليف الكهرباء.
- -ارتفاع حرارة المحيطات يُهدد حياتنا واقتصادنا: يشكل ارتفاع مستوى سطح البحر خطر غير مسبوق علي سلاسل الإمداد العالمية وقد يؤدي لتعطل الموانئ والبنية التحتية الساحلية وكذلك فإن ارتفاع مياه البحار يسهم بزيادة شدة العواصف بالمناطق الاستوائية الأمر الذي يعرض الأرواح والممتلكات للخطر وتشير تقارير الأمم المتحدة إلي كون المحيط موطن لغالبية التنوع البيولوجي بالعالم ويعتمد عليه ثلاثة مليارات شخص لكسب رزقهم ومع ذلك تؤدي انبعاثاتها الناتجة عن الأنشطة البشرية إلي رفع حرارتها وزيادة حموضتها ونقص مستويات الأكسيجين وهو ما يهدد مستقبل الوظائف والصناعات المرتبطة بها
- -تغيُّر المناخ يدفع الملايين للنزوح: يعتبر أحد الأسباب الرئيسية للهجرة الداخلية حيث يؤثر سلبا علي سبل العيش ويحول بعض المناطق لغير صالحة للسكن بسبب التعرض للظواهر الجوية القاسية وتشير توقعاتهم إلي إمكانية نزوح نحو 216 مليون شخص بحلول عام 2050 عبر ست مناطق حول العالم وأكبر عدد منهم سيكون بأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (86 مليون شخص) ثم شرق آسيا والمحيط الهادئ (49 مليون شخص) ثم جنوب آسيا (40 مليون شخص).
- -قد يجعل تأمين الممتلكات أكثر تكلفة: ففي عام 2021 أدّت الكوارث الجوية المتطرفة لخسائر مؤمنة بلغت قيمتها حوالي105 مليارات دولار وهو رابع أعلى مستوى منذ عام1970 وذلك حسب تقديرات أوليه لشركة Swiss Re إحدى الشركات الرائدة عالميًّا بالتأمين وإعادة التأمين ولا يُفضى هذا فقط لرفع تكاليف التأمين للجميع بل قد يجعل بعض العقارات غير قابلة للتأمين تماماً وحسب مجلس المناخ الاسترالي فإن واحدا لكل25 منزلاً بأستراليا قد يصبح غير قابل للتأمين بحلول عام2030 .
- -تكاليف باهظة للشركات بسبب المخاطر البيئية : أشارت دراسة صدرت عن منظمة CDP غير الربحية لعام2021 والتي تدير أكبر نظام عالمي للإفصاح البيئي بأن الشركات قد تتحمل تكاليف تصل لـ120 مليار دولار مرتبطة بالمخاطر البيئية بسلاسل الإمداد بحلول2026 تشمل تلك التكلفة زيادة أسعار المواد الخام بالإضافة إلي تغير تنظيمى كتطبيق ضرائب الكربون وذلك ضمن جهود عالمية لمواجهة الأزمة البيئية .
طرق مواجهة تغييرالمناخ
- – التمويل المتعلق بالمناخ : يلعب الدعم الاقتصادي دورا كبيرا بمعالجة تغييرالمناخ ، تحتاج الدول النامية لـ127 مليار دولار سنويًّا بحلول2030 ،295 مليار دولار سنويًّا بحلول2050 للتكيف معه ، حاليا يبلغ تمويل التكيف نحو50 مليار دولار سنويًّا لذا تشكل فجوة كبيرة تلبي الاحتياجات المتزايدة لمواجهة تلك التحديات البيئة .
- -التخفيف والتكيف : يجب ضمان عدم تعرض أي فئة لأضرار غير عادلة أثناء الوصول لصافي انبعاث صفر ، تلعب السياسات الحكومية دورا مهما بتخفيف الاختلاف الاجتماعي والاقتصادي فعلى سبيل المثال يمكن دعم إغلاق محطات الطاقة العاملة بالفحم عبر برامج تأهيل العمال لاكتساب مهارات جديدة تلائم الوظائف المستدامة ويمكن توجيه عائد الضرائب الناتجة لدعم المجتمعات ذات الدخل المنخفض .
- -الأمن الغذائي والمائي : يعد تطوير نظم إنتاج الغذاء وتحسين كفاءة استخدام الموارد المائية خطوات أساسية للتكيف مع الواقع الجديد الذي يفرضه تغييرالمناخ ومع ذلك هناك تفاوت كبير باستهلاك المياه بين الدول الغنية والدول منخفضة الدخل وكذلك داخل كل دولة لذا فإن ضمان توزيع عادل ومستدام للموارد أصبح ضرورة ملحة .
اختتم التحليل مؤكداً أنه لمواجهة أزمة تغيرالمناخ يجب تعزيز الوعي واتخاذ تدابير جدِّيَّة للتخفيف منها والتكيف معها؛ إذ إن المسؤولية مشتركة بين الحكومات والمجتمعات والأفراد فالتغيير يبدأ بالسياسات البيئية المستدامة مروراً بالاستثمارات بالطاقة النظيفة وصولاً لتبنّي سلوكيات صديقة للبيئة. كما يلعب التعاون الدولي دوراً أساسياً بوضع سياسات فعالة للحدّ مِن الانبعاث الكربوني وتعزيز الانتقال للطاقة النظيفة لضمان مستقبلٍ مستدام للأجيال القادمة .
تعليقات