مصر تحقق تقدمًا في التنمية البشرية وبناء المجتمعات

مصر تحقق تقدمًا في التنمية البشرية وبناء المجتمعات

ألقت الدكتورة مايا مرسي، وزيرة التضامن الاجتماعي، كلمة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي حول “مجتمعات الفرص 2025″، الذي يُعقد في سنغافورة، بحضور هينج سوي كايت نائب رئيس وزراء سنغافورة، وماساجوس ذو الكفل وزير الأسرة والتنمية الاجتماعية في جمهورية سنغافورة، إلى جانب مجموعة من الوزراء وممثلي الدول المشاركة في هذا الحدث الدولي، بالإضافة إلى دينا الصيرفي مساعد وزيرة التضامن الاجتماعي للتعاون الدولي والعلاقات والاتفاقات الدولية.

وأعربت وزيرة التضامن الاجتماعي عن تقديرها الكبير للمشاركة في فعاليات هذا المؤتمر المهم الذي يتناول موضوعًا حيويًا وهو “مجتمعات الفرص” والعوامل الأساسية التي تدفع عجلة الحراك الاجتماعي، حيث وجهت الشكر لوزارة الأسرة والتنمية الاجتماعية وحكومة سنغافورة على فتح أبواب النقاش ليس فقط على الصعيد الداخلي بل أيضًا على المستوى الدولي.

وأكدت الدكتورة مايا مرسي أن التطلع إلى مجتمع يتمتع فيه كل فرد بفرصة عادلة لتحقيق كامل إمكاناته هو جوهر التقدم والتنمية والمساواة، مشددة على أن مجتمع الفرص ليس مجرد مفهوم مثالي؛ بل هو لبنة أساسية لمستقبل مزدهر ومتناغم، كما أن الحراك الاجتماعي هو المحرك الذي يُحوّل الإمكانات إلى واقع ملموس، فعندما يكون الحراك الاجتماعي قويًا، تزدهر المجتمعات ويزدهر الابتكار وتتعزز الروابط المجتمعية، بينما قد يؤدي الحراك الاجتماعي المحدود إلى الإحباط وعدم المساواة ويعيق التنمية الشاملة.

وأشارت وزيرة التضامن الاجتماعي إلى عدة عوامل رئيسية تلعب دورًا محوريًا في تعزيز الحراك الاجتماعي، منها أهمية الحصول على تعليم جيد منذ مرحلة الطفولة المبكرة وحتى التعليم العالي الذي يعد أمرًا بالغ الأهمية، فالتعليم يمنح الأفراد المعرفة والمهارات وقدرات التفكير النقدي اللازمة للتنقل في عالم معقد واغتنام الفرص الناشئة، لذا فإن الاستثمار في أنظمة تعليمية عادلة وشاملة وضمان حصول جميع الأطفال على الموارد وبيئات التعلم يشكل حجر الزاوية لبناء مجتمع الفرص.

كما تُعد السياسات الاقتصادية التي تعزز النمو الشامل وتُهيئ فرص عمل لائقة أمرًا بالغ الأهمية أيضًا، إذ تشمل هذه السياسات تعزيز اقتصاد متنوع وتنافسي يُولّد فرص عمل عبر مختلف القطاعات ودعم ريادة الأعمال والابتكار وضمان أجور وظروف عمل عادلة، كما يمكن للسياسات التي تُقلل من تفاوت الدخل وتوفر شبكات أمان اجتماعي أن تلعب دورًا هامًا في تحقيق المساواة وتمكين الأفراد من خلفيات محرومة لتسلق السلم الاقتصادي.

ويشكل الحصول على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتغذية والسكن أساسًا حيويًا للارتقاء الاجتماعي؛ فعندما يتمتع الأفراد بصحة جيدة ويتلقون تغذية مناسبة ويحصلون على سكن آمن يكونون أكثر قدرةً على المشاركة الكاملة في التعليم والاقتصاد. لذا فإن معالجة التفاوتات في الوصول إلى هذه الخدمات الأساسية أمرٌ ضروري لبناء مجتمع أكثر إنصافًا. علاوة على ذلك لا غنى عن المؤسسات القوية والحوكمة الرشيدة والتي تشمل سيادة القانون والشفافية والمساءلة؛ فعندما تكون المؤسسات منصفة وعادلة تتهيأ بيئة تُوزّع فيها الفرص بشكل أكثر إنصافاً مما يمكّن الأفراد من الثقة بأن جهودهم ستُكافأ.

وتلعب العوامل الاجتماعية والثقافية دورًا مهمًا حيث إن معالجة التمييز ضد المرأة أو التمييز القائم على العرق أو الدين أو غيرها من الخصائص يعد أمراً بالغ الأهمية لضمان حصول الجميع على فرص متساوية للنجاح. كما أن تعزيز ثقافة الاحترام وتقدير المواهب ووجهات النظر المتنوعة يسهم بشكل كبير في إطلاق الإمكانات غير المستغلة وتعزيز الحراك الاجتماعي.

وأكدت وزيرة التضامن الاجتماعي أنه لا يمكننا تجاهل تأثير التحول الرقمي اليوم والذي يعيد تشكيل مشهد الفرص والحراك الاجتماعي بسرعة كبيرة. ويساهم الانتشار المتزايد للتقنيات الرقمية في خلق فرص عمل جديدة خاصةً في مجالات مثل علوم البيانات والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني مما يتيح للأفراد ذوي المهارات المناسبة الارتقاء اجتماعياً واقتصادياً. حيث توفر منصات التعلم عبر الإنترنت والموارد التعليمية الرقمية إمكانية الوصول إلى المعرفة وتطوير المهارات للجميع مما قد يُزيل الحواجز الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية التي تحول دون الحصول على تعليم جيد. علاوةً على ذلك توفر التجارة الإلكترونية واقتصاد العمل الحر فرصاً مرنة لتوليد الدخل والتي قد تكون مفيدة بشكل خاص للمجتمعات المحلية ولمن يسعون لزيادة دخلهم.

وأشارت الدكتورة مايا مرسي إلى ضرورة الاعتراف بأن التحول الرقمي يمكن أن يُفاقم أوجه عدم المساواة القائمة إذا لم يُدار بحكمة؛ فالفجوة الرقمية وعدم المساواة في الوصول إلى التكنولوجيا والمعرفة الرقمية قد تؤدي إلى تخلف الفئات المحرومة بالفعل عن الركب. ومن ثم فإن السياسات الرامية لسد هذه الفجوة عبر توفير إمكانية الوصول إلى الإنترنت بأسعار معقولة وبرامج محو الأمية الرقمية والاستثمارات في البنية التحتية الرقمية تشكل ضرورة أساسية لضمان مساهمة فوائد التحول الرقمي لتعزيز الحراك الاجتماعي لجميع شرائح المجتمع.

وأوضحت وزيرة التضامن الاجتماعي أن مصر بتاريخها العريق ومجتمعها النابض بالحياة حققت تقدمًا ملحوظًا في مجال التنمية البشرية وبناء مجتمعات واعدة حيث ركزت الحكومة بشكل متزايد على المبادرات الرامية لتحسين فرص الحصول على التعليم والرعاية الصحية وتعزيز النمو الاقتصادي. وترتكز رؤية مصر 2030 وبرنامج الحكومة 2024 المعتمد من مجلس النواب حول تحسين جودة الحياة وتحقيق العدالة الاجتماعية والتكامل والمساواة والإدماج وتمكين الفئات المختلفة وتحسين جودة التعليم والرعاية الصحية وتوفير السكن اللائق وتقليل معدلات الفقر وتحقيق الأمن الغذائي. وقد ضمت الحكومة الجديدة لأول مرة نائباً لرئيس الوزراء لشؤون التنمية البشرية.

كما شمل الإصلاح التشريعي قوانين تتعلق بالأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن والمساعدة الاجتماعية وقانون العمل. ولإكمال التشريعات تظهر الإرادة السياسية جليةً من خلال اعتماد الرئيس عبد الفتاح السيسي لثلاثة برامج تنموية كبرى تشمل برنامج “حياة كريمة” الذي يهدف لتطوير البنية التحتية بما فيها المياه والصرف الصحي والطرق والكهرباء والتعليم والصحة وغيرها مما يخدم حوالي 50 مليون مواطن بالإضافة للتحول الرقمي لخدمات الأسرة.

وبرنامج “تنمية الأسرة” الذي يعمل بدوره لتحسين صحة الأسرة وتعزيز الصحة الإنجابية وصحة الأم والطفل وتمكين المرأة اقتصاديًا وتعزيز التماسك الأسري وكذلك مبادرة “بداية” الوطنية التي تركز بدورها أيضاً على تنمية القدرات البشرية ورفاهيتها.

كما تضع مصر اقتصاد الرعاية ضمن أولويات أجندتها التنموية والذي يشمل رعاية الأطفال ورعاية المسنين ورعاية الأشخاص ذوي الإعاقة ويتم التعاون مع القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية بهدف رفع جودة خدمات الرعاية وتوفير فرص عمل داخل هذا القطاع. ويهدف برنامج مصر لتنمية الطفولة المبكرة لتحسين رعاية الأطفال وجودة تعليمهم للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين صفر وأربع سنوات.

وتعزز مصر الحراك الاجتماعي عبر مجموعة من البرامج والمبادرات الهادفة وإدراكاً منها للعوائق الكبيرة التي تواجهها الفئات السكانية الضعيفة أمام الارتقاء الاجتماعي تُنفذ الوزارة شبكات أمان اجتماعي مثل برنامج “تكافل وكرامة”، حيث يوفر البرنامج مساعدة مالية أساسية عبر تحويلات نقدية مشروطة للأسر ذات الدخل المحدود التي لديها أطفال مع التركيز أيضاً على الفحوصات الصحية والتحاق الأطفال بالمدارس إضافةً لتحويلات نقدية غير مشروطة لكبار السن وذوي الإعاقة. بينما تحتفل مصر بمرور عقدٍ كاملٍ منذ تعزيز شبكة الأمان الإجتماعي يعد برنامج “تكافل وكرامة” دليلاً واضحاً للاهتمام بحماية الفئات الضعيفة وتقليل معدلات الفقر وتعزيز تنمية رأس المال البشري بجميع أنحاء البلاد حيث استفادت منه نحو 7.7 مليون أسرة تمثل حوالي 30% من الأسر المصرية خلال عشر سنوات مما يعتبر استثماراً كبيراً نحو تحقيق العدالة الاجتماعية وقد تمكن حوالي 3 ملايين شخص من الخروج من دائرة الفقر خلال تلك السنوات العشر الماضية.

وتابعت وزيرة التضامن الاجتماعي قائلة: “أقف هنا معكم اليوم ونحن نستعد للاحتفال بمرور عشر سنواتٍ كاملةٍ منذ بدء برنامج تكافل وكرامة.. عقدٌ كاملٌ بدأ ببرنامج ثم تحول لاحقاً لحقٍ تشريعي بعد تصديق السيد رئيس الجمهورية عليه بقانون الضمان الإجتماعي الجديد بعد إقراره بمجلس النواب وهو إنجاز بارز ضمن مسيرة المساعدة الاجتماعية بمصر”. وفي هذه المرحلة الحرجة نضع التمكين الاقتصادي والوصول للتمويل ضمن أولوياتنا الرئيسية حيث تركز مصر حالياًعلى توفير الفرص الاقتصادية والاستقلال المالي كمحركين رئيسيين لتمكين المستفيدين من الضمان الإجتماعي وقد قمنا مؤخراً بتأسيس تحالف مالي يجمع كافة الجهات المعنية بمصر بهدف توسيع نطاق الوصول للتمويل ليصل لنحو 4000 منفذ تمويلي موزعين بـ27 محافظة مستهدفين مليون مستفيد وذلك بالتزامن مع إصدار حزم تمويل جديدة تشمل التمويل الأصغر والتأمين الأصغر ونموذج الإقراض الادخاري للقرى الرقمية كمبادرات مبتكرة تهدف لتشجيع الأسر لبدء رحلتها للخروج من دائرة الفقر.”

علاوةً على ذلك تُبذل جهود كبيرة لتوفير بطاقة الخدمات المتكاملة لنحو مليون ونصف المليون شخص ممن لديهم إعاقات والتي توفر مزايا متعددة تهدف لضمان إدماجهم وتحسين جودة حياتهم حيث تشمل هذه المزايا الدعم المالي والإعفاءات الدراسية بالمؤسسات التعليمية الحكومية والمساعدات المالية عبر برامج مثل برنامج كرامة فضلاً عن خصومات تصل لـ50% بالمواصلات العامة وإعفاء جمركي محتمل للمركبات المعدلة وسهولة الوصول لدخول بعض الأماكن العامة والمتاحف والمواقع الأثرية إضافة لإمكانية الحصول وحدات سكنية حكومية مناسبة وإعطاء الأولوية لوحدات الإسكان الأرضي للأشخاص ذوي الإعاقة الحركية واستحقاق نسبة 5% من الوظائف الحكومية فضلاً عن تسهيلات ودعم مالي للإدماج بسوق العمل والتدريب المهني وفرص العمل المناسبة لهم بما فيها إمكانية تخفيض ساعات العمل ساعة واحدة يومياً.

أما بالنسبة للرعاية الصحية فتتوفر فحوص طبية مجانية بالمستشفيات الحكومية ووحدات الرعاية الصحية بالإضافة لإعفاء جمركي للأجهزة الطبية والأطراف الصناعية فضلاً عن الإدماج الإجتماعي بإمكانية وصول مراكز الشباب والأندية الرياضية بأسعار مخفضة والانخراط بالمؤسسات التعليمية وإثبات الإعاقة للاستفادة بالخدمات المختلفة وهناك مزايا أخرى منها إصدار شهادات تأهيل للمهن المناسبة للإعاقة وإمكانية توفير دراجات نارية مجهزة بالتعاون مع بنك ناصر الاجتماعى وكل تلك البرامج تهدف مجتمعةً لتقديم الدعم المالي والاجتماعي وتحسين مستوى حياة الأشخاص ذوي الإعاقة بمصر.

واختتمت وزيرة التضامن الاجتماعى كلمتها قائلة: “مجتمع الفرص يركز بشكل مباشر علي حماية الأفراد ضد مختلف المخاطر وتمكينهم ليعيشوا حياة كريمة وحرة ويساهم مجتمع الفرص مباشرةً فى تهيئة الظروف الملائمة لتعزيز قدراتهم؛ إذ يمكّن نهج سين للقدرات هؤلاء الأفراد للصمود أمام التحديات وصناعة مستقبل أفضل لأنفسهم”. فالحماية والتمكين يقللان تعرض هؤلاء لمختلف أوجه انعدام الأمن ومعالجة أوجه انعدام الأمن تتم عبر تعزيز الشمول والانصاف ومسارات التطور وهذا ما يعالج الأسباب الجذرية للكثير من المخاطر التى تهدد الأمن البشرى وعندما يشعر الناس بالانتماء لمجتمعهم ويؤمنون بإمكانية تحقيق مستقبل أفضل يتحقق الأمن البشري بصورة عامة.. وهذا هو جوهر الأمر