أبو بكر سيسي: جريمة تهز الديمقراطية الفرنسية

أبو بكر سيسي: جريمة تهز الديمقراطية الفرنسية

في حادثة مأساوية هزت أرجاء فرنسا، قُتل الشاب المسلم أبو بكر سيسي، الذي لم يتجاوز العشرين من عمره، جراء طعنات غادرة داخل مسجد خديجة في بلدة “لاجرند كومب”، الواقعة جنوب البلاد.

الجريمة التي وقعت يوم الجمعة 25 أبريل الماضي، ليست مجرد حادث فردي، بل تعكس تصاعد موجات الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، في ظل مناخ سياسي وثقافي واجتماعي يزداد تطرفًا بشكل يومي.

رغم إدانة الرئيس الفرنسي ووزير داخليته لهذه الجريمة، فإن المراقبين يرون أن ردود الفعل السياسية لم تصل إلى مستوى الاعتراف بطبيعة الجريمة كفعل إرهابي بدوافع عنصرية، حيث إن توصيف الحادث كـ”جريمة فردية” أو مجرد “تطرف” يتجاهل السياق الأوسع الذي يتمثل في تصاعد خطاب الإسلاموفوبيا في الإعلام والسياسة، وتنامي اليمين الشعبوي، بالإضافة إلى شيطنة الرموز الإسلامية في الفضاء العام.

يشير خبراء وباحثون في قضايا الفكر الإسلامي إلى أن هذه الجريمة تُعبر عن تحول التطرف الفكري إلى فعل عنيف منظم ضد المسلمين، ويجب أن تُصنف قانونيًا كعمل إرهابي على غرار الأفعال الأخرى ذات الدوافع الدينية أو العقائدية، والفارق هنا هو أن هذا الإرهاب لا يأتي من “الآخر”، بل ينشأ من داخل المجتمع الفرنسي نفسه، تحديدًا من بيئة مشبعة بخطاب عدائي تجاه الإسلام.

يتحمل مراقبون جزءًا من المسؤولية تجاه السياسات الفرنسية التي تساهم في خلق بيئة تشجع على مثل هذه الأفعال، وذلك عبر تضييق الخناق على الرموز الدينية وتجريم الحجاب في المدارس وربط الإسلام بعدم التوافق مع “قيم الجمهورية”.

على الجانب الآخر، برزت أصوات سياسية مثل زعيم حركة “فرنسا الأبية”، جان لوك ميلونشون، كمدافع عن حقوق المسلمين والمهاجرين حيث أدان ميلونشون الجريمة بشدة ودعا إلى تنظيم تظاهرة للتنديد بالإسلاموفوبيا إلا أن وزير الداخلية انتقد هذه الخطوة واعتبرها “استغلالًا سياسيًا”، مما أثار ردود فعل واسعة النطاق.

هذا التوتر يعكس الصدع العميق داخل المشهد السياسي الفرنسي بين قوى تؤمن بالتعددية الثقافية وأخرى تستغل الشعبوية والتخويف من الإسلام لتحقيق مكاسب انتخابية قصيرة المدى.

تعكس هذه الجريمة أيضًا أزمة الهوية العميقة التي تواجهها الجمهورية الفرنسية والتي لا تزال تتعامل مع العلمانية باعتبارها حاجزًا ضد الدين وليس إطارًا للتعايش السلمي حيث يُنظر إلى المسلمين الفرنسيين – الذين هم أبناء هذا الوطن ثقافيًا وتعليميًا – كـ”غرباء” بسبب تراث استعماري لم تُغلق جراحه بعد وسياسات إقصائية عمقت شعور التهميش لديهم.

تحذر تقارير حقوقية وأكاديمية من أن الكراهية عندما تُشرعن سياسيًا أو تُغذّى إعلاميًا لا تبقى مجرد فكرة بل تتحول إلى عنف مادي يستهدف حياة الأبرياء لذا فإن حالة “أبو بكر سيسي” ليست استثناءً بل هي واحدة من حلقات متزايدة ضمن سلسلة العنف العنصري الذي أصبح يهدد السلم المجتمعي في فرنسا وأوروبا.