
تُعتبر الأنهار في مختلف أنحاء العالم مصدر تهديد خفي وخطير، يتمثل في التلوث الناتج عن المضادات الحيوية، وقد أظهرت دراسة حديثة أجرتها جامعة ماكجيل حجم هذا التلوث المذهل بشكل ملحوظ.
يقدّر الباحثون أن الأنهار تستقبل سنويًا حوالي 8500 طن من المضادات الحيوية، وهو ما يعادل ثلث الاستهلاك البشري منها، كما تعجز أنظمة الصرف الصحي المصممة لتنقية المياه عن منع تسرب هذه البقايا إلى المجاري المائية الطبيعية، مما يؤدي إلى بقائها وتأثيرها السلبي على النظم البيئية المائية وصحة الإنسان.
لا يزال تدفق المضادات الحيوية مستمرًا في الأنهار، وذلك بسبب عدم قدرة محطات معالجة مياه الصرف الصحي على التخلص منها بفعالية، فضلاً عن استمرار تسرب بقايا المستشفيات والمنازل والمصانع الدوائية إلى الأنهار مع مرور الوقت.
التأثير السلبي على الحياة المائية هو محور اهتمام العديد من الباحثين، حيث أوضحت هيلويزا إيهالت ماسيدو، زميلة أبحاث ما بعد الدكتوراه في جامعة ماكجيل والمؤلفة الرئيسية للدراسة، أن “كمية بقايا المضادات الحيوية غالبًا ما تكون صغيرة جدًا في معظم الأنهار، مما يصعّب اكتشافها، ولكن التعرض المزمن والتراكمي لها يمثل خطرًا كبيرًا على صحة الإنسان والأنظمة البيئية”.
أشارت الدراسة المنشورة في مجلة PNAS Nexus إلى أن تراكم المضادات الحيوية يؤثر سلبًا على الحياة المائية حتى عند وجودها بتركيزات منخفضة، حيث تتأثر الأسماك والطحالب والمجتمعات الميكروبية بالتالي يحدث تغيّر في التنوع الميكروبي الطبيعي ويُعزز مقاومة البكتيريا للعلاج.
حدّد الباحثون الأموكسيسيلين -وهو مضاد حيوي شائع الاستخدام- باعتباره الملوّث الرئيسي للأنهار.
اعتمد العلماء على نموذج عالمي مدعوم ببيانات من 877 موقعًا نهريًا لتحديد مناطق التلوث، وخلصوا إلى أن منطقة جنوب شرق آسيا تواجه خطرًا شديدًا نتيجة تزايد استهلاك المضادات الحيوية وضعف مرافق المعالجة المتاحة هناك.
آثار بيئية غير مقصودة للمضادات الحيوية
على الرغم من أهمية استخدام المضادات الحيوية لعلاج الأمراض المختلفة، إلا أنها تحمل آثارًا بيئية غير مقصودة قد تؤدي إلى مشاكل كبيرة.
أوضح الباحث المشارك برنهارد لينر أن “الدراسة لا تهدف للتحذير من استخدام المضادات الحيوية بل تُسلط الضوء على آثارها غير المتوقعة على البيئات المائية ومقاومة البكتيريا مما يتطلب استراتيجيات تخفيف فعالة”.
كما نبهت الدراسة إلى أن مصادر التلوث مثل مزارع الماشية ومصانع الأدوية لم تُدرج ضمن التحليل، مما يشير إلى أن النتائج قد تكون أقل من الواقع الفعلي. وعلّق البروفيسور جيم نيسل قائلاً: “نتائجنا تؤكد أن الاستهلاك البشري وحده مسؤول عن تلوث خطير ومن المرجح أن تكون الصورة أسوأ عند احتساب المصادر البيطرية والصناعية”.
تركز أعلى مستويات التلوث في الهند والصين وباكستان
تُعتبر الهند والصين وباكستان الدول التي تتركز فيها أعلى مستويات التلوث بالمضادات الحيوية حيث تمثل هذه الدول 47% من الأنهار الأكثر تلوثاً وذلك بسبب ضعف نظام الصرف الصحي وكثافة السكان العالية. يُقدر عدد الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من هذه الأنهار بحوالي 750 مليون شخص مما يزيد فرص تعرضهم للمياه الملوثة.
تطبيق أنظمة ترشيح متقدمة لتقليل التركيزات الدوائية
أوصت الدراسة بتكثيف برامج الرصد لتحديد بؤر التلوث والتدخل المبكر بالإضافة إلى تطوير مرافق معالجة مياه الصرف الصحي خاصةً في الدول ذات الدخل المنخفض عبر تطبيق نظم ترشيح متقدمة قادرة على تقليل التركيزات الدوائية بشكل كبير.
وتخلص الدراسة إلى أن تلوث الأنهار بالمضادات الحيوية يُعد أزمة بيئية عالمية تحتاج لاستجابة شاملة تشمل الرصد والتحديثات الهندسية وتحسين إدارة النفايات والرقابة التنظيمية لضمان سلامة البيئة والصحة العامة. إذ إن استمرار تراكم هذه المواد سيهدد التنوع البيولوجي وصحة المجتمعات الإنسانية إذا لم تُعالج الأسباب الجذرية لهذه الأزمة.
تعليقات