
فقدت الحركة التشكيلية المصرية اليوم أحد أبرز رموز الفن المعاصر، الفنان الكبير عصمت داوستاشي، الذي رحل عن عالمنا تاركًا وراءه إرثًا بصريًا ضخمًا وبصمة لا تُنسى في المشهد التشكيلي المصري والعربي، فقد امتدت رحلته الإبداعية لعقود طويلة، حيث جمع بين الريشة والقلم، وبين التوثيق والابتكار.
نستعرض معكم جانبًا من أعماله ولوحاته الفنية التي شكلت ذاكرة بصرية لجيل كامل، إلى جانب مشروعه الأهم: أرشفة تاريخ الفن المصري الحديث.
بين لوحاته الغارقة في السريالية وأرشيفه الذي يضم آلاف الوثائق، لم يكن عصمت داوستاشي مجرد فنان تشكيلي فحسب، بل كان مؤرخًا بصريًا وثق ملامح الحركة الفنية والثقافية في مصر، وخاصة في مدينة الإسكندرية على مدى عقود طويلة.
في زمن تتآكل فيه الذاكرة الثقافية بسرعة، برز عصمت داوستاشي كحالة فريدة؛ فلم يكتفِ بالرسم والكتابة فقط، بل وهب نفسه لمهمة شاقة تتمثل في توثيق مشهد فني متكامل وجمع تفاصيله من بطون الكتب والصحف ومن ذاكرة أصدقاء وعابرين في عالم الفن.
بدأ داوستاشي هذا المشروع مبكرًا حين لاحظ غياب السرد التاريخي المتماسك لتطور الفن التشكيلي في مصر، فقد جمع المقالات القديمة واحتفظ بكتالوجات المعارض ووثق الحوارات الشخصية التي أجراها مع عدد من الفنانين مثل إنجي أفلاطون وحامد ندا وراغب عياد وغيرهم.
تحول منزله في الإسكندرية إلى ما يشبه المتحف غير الرسمي حيث تكدست فيه الوثائق والصور والقصاصات والمخطوطات. كما أصدر عدة كتب تُعد مراجع نادرة في هذا السياق منها كتابه الشهير “سنوات الهلوسة”، الذي لم يكن مجرد سيرة ذاتية بل شهادة على حقبة كاملة من تحولات الفن والمجتمع.
كما أنجز “كتاب الإسكندرية” الذي رصد فيه الحياة الثقافية والفنية لعقود طويلة بأسلوب يمزج بين التوثيق والإبداع. لكن القيمة الكبرى لأرشيف داوستاشي تكمن في كونه حفظ ذاكرة غير رسمية لا تُكتب في السجلات الحكومية بل تُروى عبر التفاصيل الصغيرة مثل ملصق معرض منسي أو بطاقة دعوة لفنان رحل منذ زمن أو مقالة نشرت في صحيفة لم تعد موجودة.
تعليقات