اختيار درب التواصل نحو السلام بوعي وشجاعة.. هل أنتم مستعدون؟

اختيار درب التواصل نحو السلام بوعي وشجاعة.. هل أنتم مستعدون؟

التقى قداسة البابا لاوُن الرابع عشر في قاعة بولس السادس بالفاتيكان بالعاملين في مجال الاتصالات من جميع أنحاء العالم، حيث وجه إليهم كلمة مليئة بالإيمان والامتنان والرجاء، وفي كلمته، لم يكتفِ الحبر الأعظم بالتقدير، بل قدم رؤية إنجيلية عميقة لمفهوم التواصل، مستلهمًا من تطويبات المسيح، وداعيًا الإعلاميين إلى أن يكونوا صانعي سلام في زمنٍ تتقاذفه التوترات والتضليل والاستقطاب.

صانعي السلام 

كانت كلمة البابا ليست مجرد تحفيز مهني فحسب، بل نداءً نبويًا لإعادة إنسانية الكلمة، ونزع السلاح من الخطاب الإعلامي، والارتقاء بالتواصل إلى مستوى الخدمة الحقيقية للكرامة البشرية والحقيقة والسلام.

عظة الجبل

قال البابا لاوُن الرابع عشر في “عظة الجبل”، أعلن يسوع: “طوبى لصانعي السلام”، إنها طوبى تتحدّى كلّ واحدٍ منا، وتخصّكم أنتم بشكلٍ خاص، إذ تدعوكم إلى تبنّي نمطٍ مختلفٍ من التواصل: تواصلٍ لا يسعى إلى نيل الاستحسان بأيّ ثمن، ولا يتزيّن بالكلمات العدائية، ولا يقترن بمنطق التنافس. كما أنه لا يفصل أبدًا بين البحث عن الحقيقة والمحبّة التي يجب أن تقودنا بتواضع في هذا السعي. إنّ السلام يبدأ من داخل كلّ واحد منّا: من الطريقة التي ننظر بها إلى الآخرين، ومن كيفية الاصغاء إليهم، ومن الطريقة التي نتحدّث بها عنهم. ومن هذا المنطلق فإن أسلوب تواصلنا يكتسب أهميةً جوهرية: علينا أن نرفض حرب الكلمات والصور وأن نُقصي منطق الحرب عن خطابنا الإعلامي

أضاف الحبر الأعظم قائلاً اسمحوا لي إذًا أن أُجدّد اليوم تضامن الكنيسة مع الصحفيين المعتقلين بسبب سعيهم إلى الحقيقة ونقلها وأن أطالب بهذه الكلمات بإطلاق سراحهم. إن الكنيسة ترى في هؤلاء الشهود – لا سيما الذين يروون وقائع الحروب حتى ولو على حساب حياتهم – مثالاً للشجاعة في الدفاع عن الكرامة والعدالة وحق الشعوب في المعرفة. إذ لا يستطيع الناس اتخاذ قرارات حرّة إلا إذا كانوا مطلعين. إن معاناة هؤلاء الصحفيين تسائل ضمائر الأمم والمجتمع الدولي وتدعونا جميعاً لكي نصون الخير الثمين لحرية التعبير والصحافة.

تابع الأب الأقدس يقول شكرًا لكم أيها الأصدقاء الأعزّاء على خدمتكم للحقيقة. لقد كنتم هنا في روما خلال هذه الأسابيع لتغطية أحداث الكنيسة المختلفة والمتنوعة. فقد رافقتم رتب أسبوع الآلام ثم نقلتم ألم فقدان البابا فرنسيس ذلك الألم الذي أضاءه نور القيامة. ذلك الإيمان الفصحي الذي أدخلنا في روح الكونكلاف والذي ألزمكم أيام عمل شاقّة ومع ذلك استطعتم أن تنقلوا للعالم جمال محبة المسيح الذي يوحدنا جميعاً ويجعلنا شعباً واحداً يقوده الراعي الصالح.

أضاف الحبر الأعظم يقول نحن نعيش زمنًا صعبًا سواء في مسيرتنا أو روايتنا وهذا الزمن يمثل تحديًا لنا جميعًا لا يجوز أن نهرب منه بل هو يدعو كل واحد منا من موقعه وخدمته إلى عدم الاستسلام للركاكة أو الفتور. إن الكنيسة مدعوة لمواجهة تحديات عصرها وكذلك لا يمكن أن يوجد إعلام أو صحافة معزولة عن زمانها وتاريخها وكما يذكّرنا القديس أوغسطينوس “لنعِشْ جيداً وستكون الأزمنة جيدة لأننا نحن الأزمنة”.

تابع الأب الأقدس يقول شكرًا لكم إذ بذلتم جهدًا للخروج من القوالب النمطية والصور المألوفة التي كثيرًا ما تُعرض من خلالها الحياة المسيحية وحياة الكنيسة نفسها. شكرًا لأنكم نجحتم في التقاط جوهر ما نحن عليه ونقلتموه إلى العالم أجمع بمختلف الوسائل. إن أحد تحديات أيامنا هذه هو تعزيز نمط تواصل قادر على إخراجنا من “برج بابل” المعاصر حيث تتداخل اللغات وتتشابك الأصوات في فوضى خالية من المحبة وغالبًا ما تُلوَّن بالأيديولوجيا أو تتحيز لمواقف معينة ولهذا فإن خدمتكم بما تحملونه من كلمات تختارونها وأسلوب تعتمدونه تحمل أهمية عظيمة. فالتواصل ليس مجرد نقل للمعلومات بل هو بناء لثقافة وخلق لبيئات إنسانية ورقمية تُفسح المجال للحوار والتلاقي ومع التقدم التكنولوجي المتسارع تزداد أهمية هذه الرسالة إلحاحًا أفكر بشكل خاص في الذكاء الاصطناعي بما يحمله من طاقات هائلة ولكنه يتطلب مسؤولية عميقة وتمييز حكيم لكي يُوجَّه نحو الخير العام ويُسخَّر لخدمة البشرية وليس ضدها وهذه المسؤولية تشمل الجميع بلا استثناء كل بحسب عمره ودوره في المجتمع.

أضاف الحبر الأعظم قائلاً أيها الأصدقاء الأعزاء سنتعلم مع الوقت التعرف على بعضنا البعض بشكل أعمق لقد عشنا ويمكننا القول معًا أياماً استثنائية وقد نقلتم هذه الأيام بكل وسيلة إعلامية: من التلفاز إلى الإذاعة ومن الإنترنت إلى وسائل التواصل الاجتماعي آمل أن يستطيع كلٌ منا القول عن هذه الأيام إنها كشفت لنا شيئاً من سر إنسانيتنا وتركت في نفوسنا توقاً للمحبة والسلام ولهذا أكرر اليوم أمامكم ما دعا إليه البابا فرنسيس في رسالته الأخيرة بمناسبة اليوم العالمي لوسائل التواصل الاجتماعي: لنعمل على نزع السلاح من تواصلنا فنطهِّره من كل تحامل وكل ضغينة وتعصب وبغض ولننقّه كذلك مما يعكس العنف بأسلوبه ومحتواه وما نحتاجه ليس خطاب صاخب أو عنيف بل تواصلاً يصغي ويجمع صوت الضعفاء الذين لا صوت لهم فلنسقط أسلحة الكلمات ونساهم بذلك بإسقاط أسلحة العالم لأن التواصل المنزوع السلاح والمجرد من العدوانية يفتح أمامنا آفاق جديدة للنظر إلى الواقع ويحرضنا على التصرف بما يليق بكرامتنا البشرية

وختم البابا لاوُن الرابع عشر كلمته بالقول أنتم تعملون على الخطوط الأمامية لنقل وقائع الصراعات وآمال السلام وتوثيق أوضاع الظلم والفقر ورصد الجهود الصامتة التي يبذلها الكثيرون لبناء عالم أفضل ولهذا أطلب منكم اختيار درب تواصل يسعى للسلام بوعي وشجاعة شكرًا لكم وليبارككم الله وإلى اللقاء القريب.