
أثارت هدايا واستثمارات ضخمة تلقاها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من دول أجنبية، وخاصة من منطقة الخليج العربي، موجة غير مسبوقة من التحذيرات والانتقادات، حيث زادت المخاوف من أن تتحول السياسة الخارجية الأمريكية في عهده إلى نظام يعتمد على مبدأ “ادفع لتربح”، مما يعد تحديًا صارخًا لأعراف الحكم الرشيد وللدستور الأمريكي نفسه.
وفقًا لما نشرته صحيفة الجارديان البريطانية، حذر عدد من الخبراء القانونيين والمسؤولين السابقين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية من أن قبول ترامب لهدايا ضخمة واستثمارات ذات طابع شخصي يمثل سابقة خطيرة في التاريخ الرئاسي الأمريكي، خصوصًا مع بروز شعار “أمريكا أولاً” الذي يبدو أنه يخدم مصالح ترامب وعائلته بالدرجة الأولى وفق ما يراه منتقدوه.
في زيارة أثارت الكثير من الجدل خلال فترته الثانية، تلقى ترامب عرضًا مثيرًا للجدل من قطر يتضمن تقديم طائرة فاخرة من طراز بوينج 747-8 بقيمة تقدر بـ400 مليون دولار كهدية يمكن استخدامها كطائرة رئاسية مؤقتة أو لاحقًا كجزء من مكتبته الرئاسية، ووصف ترامب هذه الهدية بأنها “لفتة رائعة”، مشيرًا إلى أنه سيكون غبيًا إن لم يقبلها.
في نفس الوقت، تضخ صناديق إماراتية مليارات الدولارات في عملات رقمية مرتبطة بعائلة ترامب، بينما تستعد الولايات المتحدة لإطلاق تشريعات جديدة لتنظيم سوق “الستيبلكوين”، وهو ما يعتبره البعض استغلالًا مباشرًا لمنصبه الرئاسي لتحقيق مكاسب مالية شخصية.
ورغم أن الهدية الرسمية موجهة لوزارة الدفاع، إلا أن العديد من أعضاء الكونجرس الأمريكي اعتبروا أن هذا النوع من الكرم الأجنبي يمثل خرقًا محتملاً لبند المكافآت في الدستور الذي يحظر على أي مسؤول اتحادي – بما في ذلك الرئيس – قبول هدايا من حكومات أجنبية دون موافقة الكونجرس.
علق السيناتور الديمقراطي كريس مورفي بغضب قائلاً: “هذا ليس أمريكا أولاً، بل ترامب أولاً. إنه مستعد للمخاطرة بأمن البلاد مقابل طائرة مطلية بالذهب له ولأصدقائه في مارالاجو.”
يشير خبراء الأخلاقيات إلى أن إدارة ترامب كسرت جميع القواعد المتعارف عليها فيما يتعلق بالتعامل مع الهدايا والصفقات، حيث كانت الإدارات السابقة ترفض حتى أبسط الإغراءات مثل ساعة فاخرة أو مضرب بيسبول موقع. لكن خلال فترة ترامب أصبحت الهدايا تُقبل وتُوظف بل وتُربط بسياسات خارجية ملموسة.
قال ريتشارد باينتر، المستشار القانوني في إدارة جورج بوش الابن: “إذا كان بإمكان طائرة أو صفقة عمل تغيير موقف أمريكا تجاه حرب أو مفاوضات معينة، فهذا يعني أننا أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من بيع السياسة الخارجية الأمريكية لمن يدفع أكثر.”
وحذر أحد الدبلوماسيين الأوروبيين بشأن التدفقات السرية الكبيرة للأموال عبر العملات الرقمية، مشيرًا إلى أن شركات وهمية مرتبطة بالصين اشترت خلال أيام عملات رقمية تحمل اسم ترامب بقيمة تتجاوز 300 مليون دولار دون شفافية حول مصدرها أو هدفها.
بينما يرى أنصار ترامب أن ما يحدث هو مجرد امتداد لأسلوبه “الصفقاتي”، يعتبر خصومه أن الأمر قد تجاوز كل الحدود الأخلاقية وأصبح يهدد بفقدان الولايات المتحدة لمصداقيتها الدولية. قال روفوس جيفورد، الرئيس السابق لبروتوكول وزارة الخارجية الأمريكية: “هذه الهدايا ليست ترفاً. رفضها هو ما يميز بين الديمقراطية والفساد. لكن ترامب يحتقر تلك المؤسسات التي أُنشئت لحماية الشفافية.”
تعليقات