11 شرطًا لتحويل القادة المتطرفين إلى قيادات مدنية: رؤية الخشت

11 شرطًا لتحويل القادة المتطرفين إلى قيادات مدنية: رؤية الخشت

أشار الدكتور محمد عثمان الخشت، أستاذ فلسفة الدين والمذاهب الحديثة والمعاصرة ورئيس جامعة القاهرة السابق، إلى أن التطرف لا يقتصر على السلوك العنيف فحسب، بل هو نتيجة لبنية عقلية مغلقة ترى العالم من منظور أحادي يمتلك الحقيقة المطلقة، مما يؤدي إلى تبرير العنف وتكفير الآخر.

وفي حوار تليفزيوني مع الإعلامي عماد الدين أديب على قناة «سكاي نيوز عربية»، أوضح «الخشت» أن الشخص المتطرف يتبنى مفاهيم دخيلة لا تستند إلى الدين الحقيقي مثل «الجاهلية المعاصرة» و«الحاكمية» و«الولاء والبراء»، وهذه الأفكار تمثل جوهر عقلية ثنائية ترى العالم بالأبيض والأسود، وتؤمن بوجود “فرقة ناجية” مقابل “فرق هالكة”، مشيرًا إلى أن هذه الرؤية تعزز الانقسام والصراع بدلاً من التنوع والتعايش.

كما أوضح أن هذه المفاهيم تُرسخ بنية عقلية مغلقة تتشارك فيها جماعات مختلفة، على الرغم من التناقضات الظاهرة بينها، حيث يظل النموذج العقلي واحدًا حتى وإن كفّر بعضهم بعضًا، وأكد الخشت أن البيئة التي تنتج هذا النوع من التفكير لا تقتصر على الأفراد الذين يمارسون العنف فقط، بل تشمل الحواضن الأولى التي تزرع فيهم تلك المفاهيم وتمنحهم تفسيرًا أحاديًا للواقع من خلال منظومات عقائدية وفقهية غير صحيحة، سواء كانت مستمدة من تنظيمات أو مؤسسات تستمر في تعزيز العقل المغلق، مشددًا على أن المشكلة الحقيقية ليست في من يمارسون العنف فقط، بل في الحواضن الفكرية الأولى التي تنتج هذا النمط من التفكير.

وتحدث الدكتور الخشت عن إمكانية تحول المتطرف إلى شخص مدني متسامح عبر عدة مسارات، منها: أولاً.. التعرض لتجربة تتيح له مراجعة الذات، مثل الاحتكاك ببيئة فكرية مفتوحة وفتح نوافذ العقل على رؤى وأفكار مختلفة، ثانيًا.. الوعي بالتناقضات الداخلية: حين يكتشف الشخص أن الجماعة التي ينتمي إليها لا تمثل ما كانت تدّعيه، بل قد تمارس ما يناقض الدين نفسه، ثالثًا.. النضج الذاتي وتراكم الخبرة: حيث يبدأ بعض الأفراد في إعادة تقييم أفكارهم مع تقدمهم في العمر، رابعًا.. المرور بتجارب عميقة مثل السجن

وأوضح أن بعض تجارب السجن قد تسهم في إحداث هذا التحول إذا كانت بيئة إصلاحية تمنح الفرصة للتأمل، مستشهدًا بنماذج حقيقية مثل الدكتور ناجح إبراهيم، الذي خاض تجربة مراجعة فكرية عميقة وتحول إلى داعية للتسامح ونقد التطرف والعنف.

وأكد الدكتور الخشت أن المتطرف، وفقًا لعلم النفس المعرفي، يعاني من “تشوهات إدراكية” يمكن علاجها عبر أدوات معرفية ونفسية، مشيرًا إلى ضرورة أن يشارك في هذا الجهد أساتذة الفلسفة وعلم النفس والاجتماع، وليس رجال الدين وحدهم.

كما حدد الدكتور الخشت 11 شرطًا يجب تحقيقها لضمان عملية تحول القادة المتطرفين إلى قادة مدنيين، من بينها: تقديم براهين من الواقع الفعلي على تفكيك البنية الفكرية المغلقة في عقولهم بشكل حقيقي، والانتقال من خطاب الإقصاء إلى خطاب دولة المواطنة والتنوع والتعددية، والالتزام بعدم إيواء عناصر إرهابية، والمشاركة الجادة في مكافحة الإرهاب باعتبارها قضية وجودية تشغل دول الإقليم، وتفكيك التنظيمات المسلحة، والاعتراف بأن الدولة وحدها تحتكر السلاح بموجب القانون، وأيضًا قبول حقيقي بتداول السلطة، ورفض مبدأ «المرحلية» و“التمكين”، وحماية حقوق الأقليات وأنهم يملكون مواطنة متساوية مع الجميع، وتقوية استقلال مؤسسات الدولة بما يضمن بقاء الدولة لا الشخص، والعدالة الانتقالية: إذ لا بد من آليات تُنصف الضحايا وتحقق المصالحة المجتمعية

واختتم الدكتور الخشت حديثه بالتأكيد على أن التحول الفكري ليس مجرد إعلان نوايا أو شعارات شعبوية، بل يجب أن يُترجم إلى سلوك عملي وسياسات واضحة على الأرض، لضمان أن هذا التحول ليس مجرد مناورة مرحلية، بل تحوّل حقيقي نحو عقل مدني إنساني منفتح، مع التأكيد على عدم منح الثقة دفعة واحدة، بل تُكتسب تدريجياً تحت المتابعة.