
في ظل اهتمام مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء برصد وتحليل التقارير الدولية المتعلقة بالشأن المصري، قام المركز بتسليط الضوء على مجموعة من التقارير الدولية التي تتناول التوقعات الاقتصادية العالمية، ومن بين هذه التقارير كانت تلك الصادرة عن بنك مورجان ستانلى ومنظمة بروجيكت سينديكت.
حيث أشار تقرير بنك مورجان ستانلى بعنوان «التوقعات الاقتصادية لمنتصف عام ٢٠٢٥: تباطؤ واسع النطاق» إلى وجود تباطؤ ملحوظ في النمو الاقتصادي العالمي خلال عام ٢٠٢٥، والذي يعزى إلى تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية وتراجع الطلب العالمي، مع اختلاف السياسات النقدية والمالية بين الدول. كما تناول التقرير مسارات التضخم المختلفة، واستمرار التحديات الهيكلية في الصين، وتماسك نسبي في الهند واليابان، وسط حالة متزايدة من عدم اليقين على المستويين السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية.
وأوضح التقرير أنه من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي إلى معدل سنوي يبلغ ٢.٩٪ في عام ٢٠٢٥، مقارنة بـ٣.٣٪ في ٢٠٢٤، مع انخفاضه إلى ٢.٥٪ بحساب الربع الرابع على أساس سنوي، ويعزى هذا التراجع بشكل أساسي إلى تباطؤ الاقتصاد الأمريكي الذي يؤثر سلبًا على بقية دول العالم، مما يجعل عام ٢٠٢٥ أضعف عام نمو منذ جائحة «كوفيد-١٩».
وأشار التقرير إلى أن السياسات التجارية الجديدة في الولايات المتحدة، خاصة الزيادات الجمركية، قد أحدثت صدمة هيكلية للاقتصاد العالمي، حيث أدت حالة عدم اليقين الناتجة عن تلك الإجراءات إلى تقييد الطلب عالميًا، وعلى الرغم من احتمال استمرار المفاوضات التجارية الأمريكية، إلا أنه من غير المرجح إزالة الرسوم بالكامل، مما يبقي على التوتر في النظام التجاري العالمي.
كما أوضح التقرير أن التوقعات تشير إلى أن التضخم سيواصل الانخفاض في معظم الدول، باستثناء الولايات المتحدة، حيث قد تؤدي الرسوم الجمركية إلى ارتفاع أسعار المستهلكين، لتبلغ ذروتها بين ٣٪ و٣.٥٪ في الربع الثالث من ٢٠٢٥، ومن المتوقع أن تؤدي أسعار النفط المنخفضة، وتقدير العملات، وتراجع الطلب إلى استمرار التباطؤ في نمو الأسعار عالميًا، مع بلوغ التضخم العالمي ٢.١٪ في عام ٢٠٢٥ و٢٪ في عام ٢٠٢٦.
أفاد التقرير بأنه في ظل تراجع النمو والتضخم، قد تتجه البنوك المركزية في معظم الدول إلى خفض أسعار الفائدة، إلا أن الولايات المتحدة تمثل حالة استثنائية، حيث من المرجح أن يُبقي الاحتياطي الفيدرالي على معدلات الفائدة دون تغيير حتى مارس ٢٠٢٦، وفي المقابل، ستزيد الحكومات في الولايات المتحدة وأوروبا والصين من الإنفاق العام لتحفيز النمو، مما سيرفع مستويات العجز، لا سيما في كل من ألمانيا والولايات المتحدة.
وأوضح التقرير أن الاقتصاد الأمريكي من المتوقع أن يتباطأ من نمو بلغ ٢.٨٪ في عام ٢٠٢٤ إلى ١.٥٪ في عام ٢٠٢٥، ثم إلى ١٪ في عام ٢٠٢٦، نتيجة للقيود على الهجرة، وعدم اليقين بشأن السياسات، وارتفاع الرسوم الجمركية، كما من المتوقع أن تكون هناك ضغوط تضخمية إضافية بفعل نقص العمالة، خاصة في قطاع الخدمات، على أن يبدأ التضخم في التراجع في عام ٢٠٢٦ مع ضعف الطلب وانخفاض الإنفاق الاستثماري.
ويرجح التقرير أن يحتفظ بنك الاحتياطي الفيدرالي بموقفه الحذر حتى أواخر ٢٠٢٥، حين تبدأ الضغوط التضخمية في الانحسار، ليعقب ذلك ضعف في سوق العمل، وبناءً على ذلك، من المتوقع أن يخفض الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار ١٧٥ نقطة أساس بحلول نهاية ٢٠٢٦، متجاوزًا ما يُعرف بمستوى «الحياد النقدي».
أما في منطقة اليورو، فإن ضعف الصادرات يمثل العائق الرئيسي أمام النمو، ويتوقع أن ينمو الاقتصاد الأوروبي بنسبة ١٪ في عام ٢٠٢٥، مقارنة بـ٠.٨٪ في عام ٢٠٢٤، على أن يتراجع التضخم دون مستهدف البنك المركزي الأوروبي خلال نفس الفترة، ويرجح أن يواصل البنك المركزي الأوروبي دورة التيسير النقدي ليصل سعر الفائدة إلى ١.٥٪ بنهاية العام.
وفي الصين، أوضح التقرير أنه من غير المتوقع أن تنجح جهود الحكومة في تحفيز الاقتصاد لتعويض الأثر السلبي للرسوم الجمركية الأمريكية، كما تواصل البلاد مواجهة ضغوط انكماشية وضعف في قطاع الإسكان، ويتوقع أن ينمو الاقتصاد الصيني بنسبة ٤.٥٪ في عام ٢٠٢٥ و٤.٢٪ في عام ٢٠٢٦، مقارنة بـ٥٪ في عام ٢٠٢٤، مع استمرار التحديات الهيكلية المرتبطة بالديون والاختلالات الاقتصادية.
وفي هذا الصدد، تشير التقديرات إلى أن اليابان ستستفيد من تحسن دخول الأسر بفضل زيادة الأجور وتباطؤ التضخم، مما يدعم ثقة المستهلك ويُبقي على نمو اقتصادي بنسبة ١٪ في عام ٢٠٢٥ و٠.٥٪ في عام ٢٠٢٦، ارتفاعًا من ٠.٢٪ في عام ٢٠٢٤، أما الهند فتظل الاقتصاد الأسرع نموًا عالميًا، مع توقعات بنمو يبلغ ٥.٩٪ في عام ٢٠٢٥ و٦.٤٪ في عام ٢٠٢٦، مدعومًا بقوة الطلب المحلي وتوسع صادرات الخدمات والسياسات الاقتصادية الداعمة للنمو.
أضاف التقرير أنه في أمريكا اللاتينية، من المتوقع أن يتوقف النمو في المكسيك خلال ٢٠٢٥، مع احتمال التعافي في عام ٢٠٢٦، بسبب تأثير الرسوم الجمركية والارتباط الوثيق بالاقتصاد الأمريكي، بالإضافة إلى ضعف الطلب المحلي وسوق العمل، ويرجح استمرار حالة عدم اليقين حتى منتصف عام ٢٠٢٦، موعد إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة بين كل من الولايات المتحدة وكندا والمكسيك (USMCA).
وأوضح التقرير أنه من المتوقع أن تحقق البرازيل نموًا في عامي ٢٠٢٥ و٢٠٢٦، وإن كان بوتيرة أبطأ، وتكمن أبرز التحديات في أسعار الفائدة المرتفعة، وتآكل الأجور، وضعف الاستثمارات قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة في عام ٢٠٢٦، مما يضغط على إمكانات النمو في أكبر اقتصاد بأمريكا الجنوبية.
اتصالاً، سلط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار الضوء أيضًا على تقرير منظمة بروجيكت سينديكت بعنوان «فهم الاقتصاد العالمي الجديد»، الذي تناول التحولات الهيكلية التي تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي، من خلال استعراض ثلاثة عوامل رئيسة هي: اضطراب تدفقات رؤوس الأموال بسبب التوترات الجيوسياسية، والتفاوت الديموغرافي بين مناطق نامية تتسم بوجود قوة شابة بها وأخرى متقدمة تتجه نحو الشيخوخة، وتصاعد الانقسامات الأيديولوجية الذي يعمق تفكك العولمة ويزيد من تعقيد البيئة الاقتصادية وصعوبة التنبؤ بتوجهاتها المستقبلية.
وأوضح التقرير أن البيئة الاقتصادية العالمية تشهد اليوم اضطرابًا متزايدًا، الأمر الذي يفرض على صانعي السياسات وقادة الأعمال والمستثمرين إعادة التفكير في النماذج الذهنية التي يستخدمونها لتحليل الاقتصاد العالمي، مشيرًا إلى أن هناك ثلاثة تحولات أساسية تُعيد تشكيل هذا الاقتصاد، وهي تدفقات رؤوس الأموال، والتغيرات الديموغرافية، والانقسامات الأيديولوجية، وهي جميعًا تدفع نحو عالم أكثر تجزؤًا وانغلاقًا.
أفاد التقرير بأن تدفقات رؤوس الأموال تخضع لتغيرات ناتجة عن متطلبات تنظيمية كحظر الولايات المتحدة الأمريكية للاستثمار في الصين، وسعي المستثمرين وراء فرص جديدة لعوائد مرتفعة في مختلف القطاعات والمناطق، فقد تمثل الولايات المتحدة الأمريكية حاليًا ما يقارب ٧٠٪ من القيمة السوقية للأسهم عالميًا، وتجذب أكثر من ٧٠٪ من التدفقات إلى سوق الاستثمارات الخاصة البالغة ١٣ تريليون دولار، ويرجع ذلك إلى كون السوق الأمريكية الأكثر قدرة على تحقيق عوائد جذابة بفضل ريادتها في الابتكار وعمق سيولتها.
بالإضافة إلى خطر الرفع المالي الخفي وديون القطاع المصرفي الموازى، إذ أفادت «ستاندرد آند بورز» بأن هذه البنوك امتلكت أصولًا مالية بقيمة ٦٣ تريليون دولار بنهاية ٢٠٢٢، أي ما يعادل ٧٨٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفي عام ٢٠٢٤ شكلت هذه المؤسسات ٧٠٪ من إقراض الرهن العقاري والتمويل عالي المخاطر في الولايات المتحدة الأمريكية، مما يستدعي من المستثمرين وقادة الأعمال التساؤل عن طبيعة الجهات الحائزة للديون، وأين تكمن نقاط التركّز المالي الكبرى.
وجدير بالذكر أن الرفع المالي الخفي هو استخدام الديون أو الأدوات المالية ذات المخاطر العالية بطريقة غير واضحة أو غير مُعلنة ضمن النظام المالي، بحيث لا تظهر هذه الالتزامات بشكل مباشر في الميزانيات العمومية للمؤسسات أو لا تخضع للرقابة التنظيمية الكاملة.
وفي السياق الديموغرافي، أوضح التقرير أن الكثافة السكانية تستمر في الارتفاع عالميًا، إذ تتوقع الأمم المتحدة بلوغ عدد السكان ١١.٢ مليار نسمة بحلول ٢١٠٠، مقارنة بـ٨.١ مليار حاليًا، حيث يعيش قرابة ٩٠٪ من سكان العالم في الأسواق الناشئة الأفقر، وتُظهر التوقعات استمرار النمو السكاني في مناطق مثل إفريقيا والهند والشرق الأوسط بمعدلات تفوق ٢.١ طفل لكل امرأة، ما يعني بقاء هذه المناطق شابة.
وفي إفريقيا، على سبيل المثال، يشكِّل من هم دون سن ٢٥ عامًا ما بين ٥٠٪ و٦٠٪ من السكان، مقارنة بـ٢٠٪ فقط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وفي المقابل، تشهد مناطق أخرى مثل أوروبا والصين تراجعًا في معدلات المواليد وشيخوخة سكانية متسارعة، بينما تُظهر بيانات «يوروستات» أن عدد سكان الاتحاد الأوروبي سيبلغ ذروته عام ٢٠٢٦ عند ٤٥٣.٣ مليون نسمة، لينخفض لاحقًا إلى ٤١٩.٥ مليون بحلول ٢١٠٠.
وفي الصين، تفيد بيانات الأمم المتحدة بأن عدد سكانها سيتراجع من ١.٤ مليار حاليًا إلى أقل من ٨٠٠ مليون في نهاية القرن، ولهذا التباين في الاتجاهات السكانية آثار بعيدة المدى على الطلب والإنتاج العالمي للسلع كالطاقة والغذاء، فعلى سبيل المثال، لا تزال الهند تعتمد بشدة على الفحم والوقود الأحفوري لتلبية احتياجات سكانها الفقراء، مقارنة بالاعتماد على الطاقة المتجددة.
أما على الصعيد الأيديولوجي، أوضح التقرير أن التباعد بين الدول والمناطق أصبح أمرًا واقعًا يجب مراعاته، فانهيار التعددية وتجزئة التجارة وتدفقات رؤوس الأموال والهجرة وتبادل الأفكار أصبحت جميعها تدخل في حسابات الأسواق، ورغم أن كبرى الشركات الأمريكية ما زالت تحقق أكثر من نصف إيراداتها من خارج الولايات المتحدة، فإنها مطالبة بإعادة تقييم علاقاتها التجارية التقليدية وتحالفاتها المتوترة.
وعلى المدى القصير، قد تؤدي سياسات الرسوم الجمركية وعمليات الترحيل التي تنتهجها إدارة ترامب إلى ارتفاع الأجور وأسعار السلع والخدمات، مما يغذي التضخم، وسيرافق ذلك ارتفاع في تكلفة رأس المال، مما قد يضعف شهية الاستثمار لدى الشركات، أما على المدى البعيد، فإن فك العولمة وتطورات التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية ستُعمق من الانقسامات الإيديولوجية.
أشار التقرير إلى أن التوترات الجيوسياسية تُظهر انقسامًا حادًا بين الرأسمالية الحكومية والرأسمالية السوقية، مع إعادة تشكيل التحالفات والمجموعات الدولية، كما أكد التقرير أن هذه التحولات تزيد من صعوبة تحقيق التوافق العالمي، حتى في جهود كانت محل احتفاء عالمي مثل مؤتمرات المناخ التابعة للأمم المتحدة، وفي ظل تباطؤ النمو العالمي، أصبحت التجارة والتمويل والطاقة والدين والذكاء الاصطناعي والهجرة تُستخدم كأدوات للنفوذ، ما يعقّد المشهد ويجعل التنبؤ بالسياسات أكثر صعوبة.
وأوضح التقرير في ختامه أن التحولات المتسارعة في بنية الاقتصاد العالمي تفرض على صانعي السياسات وقادة الأعمال تقليص آفاقهم الزمنية في التخطيط واتخاذ القرار، مع اعتماد أفق زمني أقصر لا يتجاوز ١٨ شهرًا بدلًا من الدورات الاقتصادية التقليدية الممتدة، فوسط هذا القدر المتنامي من التقلبات، لم يعد بالإمكان الاعتماد على استقرار الأطر التنظيمية أو التوازنات الجيوسياسية أو المعطيات الاقتصادية، مما يجعل من المرونة والتكيّف السريع شرطًا أساسيًا للنجاح في البيئة العالمية الجديدة.