
وافقت لجنة الإسكان والمرافق العامة والتعمير بمجلس النواب، من حيث المبدأ، على مشروع قانون الإيجار القديم الذي قدمته الحكومة، بهدف تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وإنهاء أزمة قانون ظلت قائمة لعقود طويلة.
جاء ذلك بعد أن أحال المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس المجلس، مشروع القانون الجديد للجنة مشتركة تضم لجنة الإسكان ولجنتي الإدارة المحلية والشؤون الدستورية والتشريعية، للنظر في مواده ومناقشتها، بناءً على النسخة الأخيرة المقدمة في 16 يونيو الجاري.
لكن كيف بدأت هذه الأزمة التي تتصدر الجدل كلما طُرح ملف الإيجارات القديمة على طاولة البرلمان؟، هذا ما تكشفه دراسة حديثة أعدتها الدكتورة آلاء برانية، الباحثة في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، والتي رصدت التطور التاريخي والقانوني لقوانين الإيجار القديمة في مصر.
بداية أزمة الإيجارات القديمة
توضح الدراسة أن جذور الأزمة تعود إلى سنوات الحرب العالمية الثانية، حينما توقفت حركة البناء عالميًا بسبب نقص مواد البناء مثل الحديد والأسمنت، ما أدى إلى نقص شديد في المعروض من المساكن وارتفاع كبير في أسعار الإيجارات، وتحولت المشكلة إلى أزمة اجتماعية حادة.
هنا تدخلت الحكومة المصرية باستخدام صلاحيات حالة الطوارئ المعلنة بسبب الحرب، فأصدرت قرارًا عسكريًا بتجميد القيمة الإيجارية للعقارات المؤجرة، ومد العلاقة الإيجارية دون حق للمالك في استرداد وحدته بعد انتهاء العقد، على أن يكون هذا التجميد إجراءً استثنائيًا مؤقتًا، انتهى بنهاية الحرب.
لكن بعد ثورة يوليو 1952، تغير المشهد تمامًا، فبتبني الرئيس الراحل جمال عبدالناصر نهجًا اشتراكيًا يقوم على العدالة الاجتماعية، أصبح السكن «حقًا اجتماعيًا» تكفله الدولة، وليس مجرد علاقة تجارية بين المالك والمستأجر، فصدرت قوانين جديدة لتخفيض القيمة الإيجارية، ومنع تحديد مدة زمنية لعقود الإيجار، بل إتاحتها للتوريث.
وبحسب الدراسة، نتج عن تلك السياسات إحجام المستثمرين عن البناء، ما فاقم أزمة السكن، وسعت الدولة لاحقًا إلى إدخال إصلاحات لمعالجة الأوضاع، لكن المشكلة تعقّدت بسبب ترسخ أوضاع اجتماعية وقانونية لملايين الأسر.
ثم جاء القانون رقم 49 لسنة 1977، ملغيًا القوانين السابقة، مانحًا مزايا إضافية للمستأجرين، لكن مع الإبقاء على عقود الإيجار المحررة قبل صدوره، وفي عام 1981، صدر القانون رقم 136 ليؤكد على ذات النهج، مما أدى إلى تجميد القيم الإيجارية لعقود الإيجار القديمة، حتى أصبحت في كثير من الحالات أقل من تكلفة صيانة العقار.
قانون 1996.. بداية التحرير الجزئي
كان التحول الأهم كما تشير الدراسة مع صدور القانون رقم 4 لسنة 1996، المعروف بـ«قانون الإيجار الجديد»، والذي حرر العلاقة الإيجارية للعقود الجديدة، مما شجع على الاستثمار العقاري وساهم في تخفيف أزمة السكن، بينما استمرت مشكلة العقود القديمة التي لا تزال تخضع للنظام الاشتراكي السابق.
الآن، يعود الملف إلى دائرة النقاش بقوة، مع مشروع القانون الجديد الذي ينص على فترة انتقالية قبل إنهاء عقود الإيجار القديمة 7 سنوات للسكني، و5 لغير السكني، ثم تحرير العلاقة الإيجارية بالكامل وإخضاعها لأحكام القانون المدني.
ويتضمن المشروع زيادة تدريجية للقيمة الإيجارية خلال الفترة الانتقالية بنسبة 15٪ سنويًا، مع تقسيم المناطق إلى متميزة ومتوسطة واقتصادية لتحديد القيمة المناسبة لكل فئة.