استوديو نجيب محفوظ في ماسبيرو: احتفاء جديد بأيقونة الأدب العربي

استوديو نجيب محفوظ في ماسبيرو: احتفاء جديد بأيقونة الأدب العربي

اليوم الإثنين، تم افتتاح استوديو «نجيب محفوظ» في مبنى الإذاعة والتليفزيون بماسبيرو بعد أن خضع لتطوير شامل يواكب المعايير العالمية، ليحمل اسم الأديب المصري الكبير الحائز على جائزة نوبل في الأدب، وذلك تكريمًا لمسيرته وإرثه الثقافي الغني.

شهد الافتتاح حضور الكاتب الصحفي أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، والمهندس خالد عبدالعزيز رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، وأيضًا أسامة هيكل وزير الإعلام سابقًا، رئيس قطاع الإعلام والاتصال بمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «الإيسيسكو»، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات الإعلامية والثقافية، وعلى رأسهم هدى نجيب محفوظ، ابنة الأديب العالمي، التي عبرت عن سعادتها بتخليد اسم والدها في هذا الفضاء الإعلامي العريق.

وفي كلمته، أكد الكاتب أحمد المسلماني أن الاستوديو يمثل خطوة نحو إعادة الروح إلى ماسبيرو، من خلال تطوير شامل يستند إلى الإرث الثقافي والمعنوي لمصر، مشيرًا إلى أن إطلاق اسم نجيب محفوظ على الاستوديو هو تكريم يتناسب مع من أثرى الأدب العربي والعالمي.

استعاد المسلماني لحظة مميزة في مسيرته المهنية، حين أتيحت له الفرصة لتقديم كتاب «عصر العلم» للعالم الراحل الدكتور أحمد زويل، حيث بدأه باقتباس من نصوص نجيب محفوظ، موضحًا أن المقدمة كانت بخط يد محفوظ وتوقيعه الشخصي، وهي ذكرى يعتز بها في تاريخه.

كما ألقى الكاتب والأكاديمي الدكتور حسين حمودة محاضرة عبر فيها في بدايتها عن سعادته الكبيرة بهذه المناسبة الثقافية المهمة، مؤكدًا أن إعادة افتتاح استوديو «نجيب محفوظ» بعد تطويره في مبنى ماسبيرو، وإطلالته المميزة على النيل والأهرامات، تعد تجديدًا رمزيًا لروح الإبداع المصري.

وأشار حمودة إلى أن اسم نجيب محفوظ ليس مجرد اسم أدبي عالمي، بل هو تجسيد لهوية مصرية عميقة استطاعت أن تتسلل إلى وجدان العالم من خلال الحارة والناس واللغة والحلم، مضيفًا أن محفوظ لم يكتب عن مصر فحسب، بل كتب بمصر، حيث كانت شخوصه وأزقته وحواراته تعكس النفس المصرية في تنوعها وتناقضها وجمالها.

أضاف الدكتور حسين حمودة أن الحديث عن الهوية المصرية في أدب نجيب محفوظ لا يكتمل دون التوقف عند بعض الكتابات غير الروائية التي عبر فيها الأديب الكبير عن انتماءاته الفكرية والثقافية بشكل مباشر، لا سيما تلك النصوص التي كتبها نثرًا، ولامس فيها ما يتجاوز التفاصيل السردية إلى رحابة الرؤية الحضارية.

ومن بين هذه النصوص، أشار حمودة إلى الخطاب الذي ألقاه الأستاذ محمد سلماوي نيابةً عن نجيب محفوظ في حفل تسليم جائزة نوبل في ستوكهولم، بحضور كريمتيه الأستاذة هدى محفوظ وشقيقتها الراحلة، حيث وثّق محفوظ انتماءه بعبارة لا تزال شاهدة على عمق هويته، حين قال: «أنا ابن حضارتين تزوجتا في عصر من عصور التاريخ زواجًا موفقًا؛ أولاهما عمرها سبعة آلاف عام، وهي الحضارة الفرعونية، وثانيتهما عمرها ألف وأربعمائة عام، وهي الحضارة الإسلامية»

وبيّن حمودة أن محفوظ لم يكتفِ بهذا التصريح الرمزي، بل ربط بين هذين الرافدين — الفرعوني والإسلامي — وبين الضمير الإنساني الكوني، مؤكدًا أن الحضارة المصرية القديمة هي التي أهدت العالم فجر الضمير، وأن الحضارة الإسلامية أرست قيم الحرية والمساواة والتسامح، وسعت نحو المعرفة والعلم.

وأشار إلى ما أوضحه نبيل عبدالفتاح في قراءته لهذا الخطاب، من أن محفوظ ظل طوال تجربته منطلقًا من هذين البعدين في تكوين هويته، لكنه لم يتقوقع داخلهما، بل كان دائمًا واعيًا بموقعه في خريطة الحضارات الإنسانية، وهو ما تجلى في إشاراته الواضحة إلى تأثره بالثقافة الغربية، التي «تغذى على آدابها وفنونها»، بحسب تعبيره.

واستدرك حمودة موضحًا أن نجيب محفوظ، في ذلك الخطاب، لم يكن يتحدث من برج عاجي، بل من قلب عالم تتنازعه الصراعات والآلام، عالم «تنهكه الديون» وتُسحق فيه شعوب في آسيا وإفريقيا، وتُرتكب فيه مآسٍ مستمرة في فلسطين، حيث «أقوام ضائعون يعيشون فوق أرضهم، وأرض آبائهم وأجدادهم»، وكان محفوظ صريحًا حين قال إن هؤلاء لا يطالبون إلا بـ«أول مطلب حققه الإنسان»، وهو أن يكون لهم «موضع مناسب يعترف لهم به».

واستشهد حمودة بعبارة محفوظ الشهيرة: «فكان جزاؤهم أن يُحاصروا، ويُقتل رجالهم ونساؤهم وشيوخهم وأطفالهم، وتُهدم منازلهم، ويُعذّبوا في السجون والمعتقلات»

اختتم كلمته بالتأكيد على أن نجيب محفوظ لم يكن فقط ضميرًا أدبيًّا، بل كان شاهدًا على عصره، متجذرًا في بيئته، ومنفتحًا على آفاق الإنسانية كلها، حيث تحدث إلى العالم من قلب مصر، ومن انتماء عربي أصيل، حاملًا همّ الإنسان، ومدافعًا عن الحق، ومجسدًا لهوية مصرية تعددية، تنبع من التاريخ، وتتجه بثقة نحو المستقبل.

كما أثنى الحضور على الموقع المميز للاستوديو، المطل على نهر النيل وأهرامات الجيزة، في مشهد وصفوه بأنه يجمع بين عبق التاريخ وروح الإبداع.

يأتي هذا الافتتاح ضمن خطة تطوير شاملة يقودها المسلماني منذ توليه رئاسة الهيئة، لإعادة ماسبيرو إلى قلب المشهد الإعلامي، من خلال تحديث البنية التحتية، وضخ دماء جديدة في القيادة الإعلامية، والارتقاء بالرسالة الإعلامية بما يليق بتاريخ هذا الصرح الوطني.